ضربة سيبرانية موجعة وغير مسبوقة ضد حزب الله
د. رمزي عودة
ظهر السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني على غير عادته مرتبكاً قبل يومين، وهو يلقي خطابه رداً على عمليات تفجير أجهزة "البيجر" واللاسلكي، والتي من المتوقع قيام أجهزة الأمن الاسرائيلية بتفجيرها. وحسب السلطات اللبنانية فإن 12 شخصاً إستشهدوا على الأقل وأصيب ما يقرب من 2850 آخرين جراء انفجارات أجهزة "البيجر" الخاصة بعناصر وقيادات حزب الله،. كما استشهد ما لا يقل عن 20 شخصاً وأصيب مئات آخرون في انفجار أجهزة اتصال لاسلكية يوم الأربعاء الماضي، والتي يبدو أنها كانت تحتوي على كمية متفجرات أكبر. بدوره، أعلن حسن نصر الله عن اختراق أمني غير مسبوق وصادم في تاريخ الصراع مع الاحتلال، كما أكد على نية الحزب الرد على هذه الجريمة التي هدفت من خلالها إسرائيل الى قتل نحو 5000 عنصر من عناصر حزبه على حد تعبيره.
في الواقع، أثارالمراقبون الأمنيون لاسيما في مجال الأمن السيبراني، عدة سمات عن طبيعة هذا الهجوم غير المسبوق، ومنها:
1- يعكس هذا الهجوم التطور النوعي في الأمن السيبراني الذي تمتلكه أجهزة الأمن الاسرائيلية، كما يعكس أهمية استخدامه في الحروب التي تخوضها إسرائيل. ومن المتوقع أن يتم تفعيل مزيد من استخدامات هذا النوع من الهجمات لاحقاً لاسيما في الضفة الغربية وقطاع غزة.
2- إن تأخر حزب الله في إعلان نتائج التحقيق الأولي حول طبيعة هذا الهجوم يشير بشكل واضح الى نجاح الهجوم وشموله والقدرة العالية على إخفاء الأدلة في مسرح الجريمه.
3- من غير المرجح أن يكون هدف الهجوم هو القتل فقط، وانما تتطلب مثل هذه العملية فائقة السرية والتكلفة وجود هدف أساسي أخر، وهو اختراق أنظمة الاتصال الخاصة بحزب الله والتجسس عليها، بما يعني انكشاف كبير ومتوقع لمواقع حزب الله وقيادته وعناصره الميدانيين، وأماكن إطلاق الصواريخ. ولربما كانت هذه فحوى الرسالة التي حاولت إسرائيل إيصالها البارحة حينما شنت ليلة الخميس خلال 20 دقيقة نحو 70 غارة جوية استهدفت على الأقل حسب الإدعاء الاسرائيلي 100 منصة إطلاق صاروخ.
4- من الصعب تصور حدوث مثل هذه العملية الاستخباراتية بدون وجود اختراق بشري أمني في صفوف حزب الله، فهناك بعض القيادات التي تعاقدت مع الشركة الوسيطة لانتاج "البيجرات" وهنالك من حاول منع أجهزة الأمن الوقائي في الحزب من تفتيش هذه الشحنة، وهنالك من أعطى الاسرائيليين موجات الراديو قصيرة المدى التي تعمل من خلالها هذه الأجهزة.
5- في الغالب، فإنه قد تم اعتراض شحنة "البيجرات" وأجهزة اللاسلكي في دوله أجنبية، وتم اضافة 20 جم من مادة شديدة الانفجار داخلها، قد تكون RDX أو PETN.، وساعد في عملية التفجير وجود بطاريات الليثيوم القابلة للانفجار أو الاشتعال في هذه الأجهزة، وربما يكون إصدار الأوامر بالتفجير إما من خلال إرسال آلاف الرسائل الى "البيجر" دفعة واحدة مما أدى الى تسخين بطاريته واشتعاله، ومن ثم التفجير. وإما من خلال رسائل من طائرات مسيرة أعطت الأمر بالتفجير.
6- برغم أن الشركة المصنعة للأجهزة صاحبة الإمتياز التجاري وهي "جولدو أبولو" تقع في تايوان، الا أن أصابع الاتهام تتجه الى شركات مجرية وبلغارية وسيطة ووهمية، وهذا يؤكد تمحور قواعد الموساد في أوروبا في هاتين الدولتين بشكل لافت ومؤثر.
في الواقع، يبدو أن اسرائيل قررت من خلال هذه العملية حسم معركة الجبهة المساندة لغزة التي أعلنها حزب الله غداة السابع من أكتوبر. وقد أعلن ذلك صراحةً رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو عندما صرح بعد الهجوم مباشرةً بأن إسرائيل ملتزمة بعودة سكان مستوطنات الشمال الى بيوتهم، وبنفس السياق، نقل هاليفي رئيس هيئة الأركان الفرقة المقاتلة 98 من قطاع غزة الى الجبهة الشمالية، وأعلن غالنت وزير الحرب بأن جيشه مستعد لبدء معركة الجبهه الشمالية. وفي ظل هذه المعطيات، يمكن الاستنتاج بأن الرسالة الرئيسية التي أرسلها جيش الحرب الاسرائيلي لحزب الله من خلال الهجوم السيبراني تشير الى ارتفاع منسوب المعلومات عن قواعد حزب الله، وتحذير الحزب من مغبة أي مجازفة عسكرية لأن التكلفة ستكون مرتفعة. وهنا يظل التسؤال مفتوحاً وخاصاً بحزب الله نفسه، حول مقدرة الحزب تقدير حجم المعلومات الأمنية المخترقة، وقدرته على تغيير قواعد اللعبة حول هذا الاختراق قبل البدء بأي رد عسكري؟